الفرق بين التوبة والاستغفار
هناك موضوع العلاقة بين التوبة وبين الاستغفار، لعلنا نأتي ولو على طرف منه، وإن كان كما قلنا نفصله إن شاء الله في الأسبوع القادم، لكن لا بأس أن نقول: إن فروقاً موجودةً وقائمةً بين التوبة وبين الاستغفار، فأولاً: من جهة المعنى؛ فمعنى كل منهما يدل على حقيقته، فتقدم أن معنى التوبة هو الرجوع، فهي من العبد رجوعٌ إلى الله تبارك وتعالى بالطاعة عن المعصية، ومن الله ليتوب عليه رجوع عن العقاب إلى المغفرة إذاً: هذا معناها: الرجوع.وأما الاستغفار فمعناه: الوقاية من شر الذنوب مع سترها، أو ستر الذنوب مع الوقاية من شرها. إذاً: هناك فرق بين المعنيين من هذه الجهة.ومن جهة أخرى هناك فرق مهم بين الاستغفار والتوبة لابد أن نتعرض له، وهو: التوبة ممن تكون من جهة الفاعل؟ إذا قلنا: إن التوبة تكون من المذنب والمؤمن والمحسن، وكل هؤلاء، والاستغفار لا يكون من الجميع؟ إذاً هذا ليس فرقاً.التوبة تكون من العبد نفسه، يعني: لا يجوز لأحد أن يتوب عن أحد. هذا هو المقصود، يعني ما أحد يتوب عن أحد، فلا يقول أحد: اللهم إني تبت إليك عن فلان، فهذا لا يصح؛ إنما الواجب أن يتوب صاحب الذنب نفسه، المذنب نفسه هو الذي يتوب، هو الذي يدعو الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يرجو الله ويحقق شروط التوبة، يندم على ما فات، ويقلع عن الذنب، ويعزم على ألا يعود، ويرد المظالم لنفسه، فهذا معنى التوبة.طبعاً رد المظالم ذكرنا أن الوارث يفعلها، هذا ينقلنا إلى الاستغفار، يعني الاستغفار هل يكون فقط من المذنب؟ الاستغفار يكون من فاعل الذنب وغير فاعله، يعني: أنت رأيت عبداً من عباد الله، من إخوانك ارتكب ذنباً يجوز لك أن تستغفر له، فتقول: اللهم اغفر لفلان، من الناس من يجب عليك أن تستغفر له، وأولى الناس بذلك الوالد، ولهذا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ذلك، لكنه قال: ( لم يأذن لي، وأستأذنت أن أزور قبرها فأذن لي )، يعني الاستغفار لا يكون للمشرك، كما قال تعالى: (( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى ))[التوبة:113]، لكن الآية دالة بمفهومها أن ما عدا ذلك يجوز، فأنت تستغفر لنفسك ولإخوانك المؤمنين جميعاً، بل كلما استغفرت لإخوانك المؤمنين كان ذلك خيراً في صيغة الاستغفار من أن تستغفر لنفسك؛ لأنك إذا استغفرت لإخوانك المؤمنين فأنت داخل في جملتهم، وإذا استغفرت لواحدٍ منهم يقول الملك: آمين ولك مثل ذلك، فكأنك ضمنت الأمرين لك ولإخوانك، لكن إذا دعوت لنفسك تضمن واحدةً إن ضمنتها، ولا تدري عن الأخرى.إذاً: فأنت تستغفر الله سبحانه وتعالى لنفسك ولإخوانك المؤمنين.أما التوبة فإنا نسأل الله لإخواننا المؤمنين التوبة، إذا أذنب أحد إخواني المسلمين فإنني أستغفر الله له، وأسأل الله له التوبة، فالاستغفار وقع مني، أما التوبة فسألت الله أن يهديه لها، ويوفقه لإقاعها منه هو؛ لأنه هو صاحب الذنب، وهذا فارق عظيم بين الحقيقتين: بين حقيقة التوبة، وبين حقيقة الاستغفار.نعم، إذا قال: اللهم تب عليه، اللهم اغفره فهذا دعاء منه هو، لكن لا يقول: تبت عن فلان، فهناك فرق. والقضية أوضح من أن نطيل فيها.والحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.